القبيلة اليمنية على خطى شقيقتها الليبية
فؤاد عامر
21/2/2011م
ساحة التغيير- صنعاء
لم تمض سوى ايام قلائل على اجتماعات الرئيس علي عبدلله صالح ببعض القبائل وشيوخها لتحريضهم على اخوانهم الرافضين له ولطريقة حكمه من كل محافظات الجمهورية, حتى كان الرد من هذه القبائل بالزحف نحو صنعاء ولكن هذه المرة الى ساحة التغيير في الجامعة الجديدة معلنين بذلك انهم يفضلون الانتماء الى الجماعة الوطنية الواحدة التي بدأت تتشكل ملامحها مع هذه الثورة الخالدة, ومؤكدين من خلال تحركاتهم هذه ان المواطنة الحقيقية والكاملة هي الحل, وهي خشبة الخلاص الفردي والجمعي الذي يجمعهم ويضمن لهم الانسجام مع اخوانهم من كل المحافظات اليمنية .
الرئيس بعقليته الماضوية تورط في هكذا ممارسات تحريضية رخيصة ضد مكونات الجزء الاكبر من ابناء وطنه وهو بذلك ينزع عنه ورقة التوت الاخيرة التي كان يتستر خلفها بشعارات الوطنية والوطن الواحد المدعاة في خطاباته .
ينسى الرئيس وهو يحشد بعضا من افراد القبائل الى صنعاء لاستباحتها ان الزمن قد تغير وان كثيرا من منتسبي هذه القبائل اصبحوا من سكان العاصمة بروحها المدنية التي لاتتعارض مع قيم القبيلة النبيلة, وهم يؤمنون بالهوية الوطنية الجامعة لليمنيين, وانهم اليوم اكثر ادراكا ان اختصار اليمن في شخص اواسرة اوجهة او منطقة لم يعد ملائما لهذا الزمن ولهذه الاجيال الجديدة الصاعدة التي تبحث عن ذاتها باتجاه اخر غير الذي ترسمه السلطة لها.
ويتناسى الرئيس ان ابناء القبائل القاطنين في صنعاء مع اخوانهم من كل محافظات اليمن يبلغ تعدادهم مايقارب ال3 ملايين اي مايفوق مرتين عدد سكان القبائل المحيطة بصنعاء, وليس كما كان عليه الحال في خمسينيات القرن الماضي حين كانت صنعاء اصغر من اية مكون قبلي محيط بها, وهم بالتالي مع اخوانهم من كل المحافظات اول من سيتصدى لمؤامرات التفريق ومخططات الغزو والنهب التي يفكر بها الرئيس ونظامه الذي اصبح خارج نطاق الصلاحية الزمنية والتاريخية.
يصطدم وعي الرئيس الماضوي بوعي الاجيال الجديدة من ابناء هذه القبائل الذين حصلت لهم طفرات نوعية في التعليم وتراكم الوعي واصبحت لديهم كاقرانهم من مختلف ابناء اليمن احلاما وطموحات وامال في ان يصبحوا ارقاما حقيقية لتحقيق ذواتهم ومجتمعاتهم بدلا من ان يكونوا ارقاما صفرية بحسابات ذلك الزعيم القبلي اوالشيخ او اي كان ممن يحدد دورهم كمجرد تابعين او مرافقين لايفكرون ولايمحصون فيما يطلب منهم من افعال و مهام.
يتناسى الرئيس اليوم ان القبيلة اكثر من دفع ثمن تخلف الدولة في اليمن, فهم اكثر المناطق حرمانا من الخدمات والاقل تعليما وهم الذين يدفعون افدح الاثمان في النزاعات بحكم توظيفهم كاداة في اتون هذ الصراعات التي تنشأ هنا او هناك, بل ان دور هذا النظام كان تنمية هذه الصراعات بين القبائل المختلفة او بين مكوناتها وافرادها بحكم الثارات والعصبيات التي وجدت في المنظومة الحالية للدولة والحكم سببا في اشعال صراعاتها بدلا من التخفيف منها و اخمادها. وهذه القبائل هي اليوم اكثر ادراكا بانها من يدفع الثمن الاكبر بسبب الغياب الحقيقي لمؤسسات الدولة الحديثة من امن وقضاء وتمثيل حقيقي, وقد غدت اكثر وعيا بمفهوم الدولة ومؤسساتها وبان تكون علاقة افرادها مباشرة مع الدولة باعتبارهم مواطنين اولا وقبل اي شئ اخر.
ابناء القبيلة وزعمائها في اليمن يرغبون في الدخول في زمن الحداثة كسواهم من عشائر وقبائل الخليج والاردن وغيرها ممن اصبح افرادها في سلم مؤسسات الدولة والشركات العامة والخاصة وذلك بحكم تعليمهم وثقافتهم وليس بحكم عصبوياتهم وانتماءاتهم التي اتوا منها.
القبيلة العربية اليوم تنضم لحركة الشارع وتنحاز للجماهير وهي اول من يطالب بالدولة المدنية الحديثة كاطار جامع لها اكان الامر في ليبيا او في الاردن او في اليمن, لتظهر القبيلة بذلك على حقيقتها الاصيلة بعد ان حاول الطغاة استغلالها كورقة في اذكاء الصراعات الداخلية في لييبيا كما في اليمن من اجل بث الانشقاقات وتهيئة المناخ المناسب لممارسة استبدادهم.
واذا كان شباب الثورة في اليمن قد اعلنوا بانهم ليسوا باقل من شباب تونس ومصر في رغبتهم بتحقيق الحرية والعدالة والكرامة فان القبيلة اليمنية اليوم ليست باقل من القبيلة الليبية التي اعلنت انضمامها لحركة الشباب والثورة ضد نظام عمل على التفريق بين ابناء وطنه وهدد بالحرب الاهلية على خلفية انتماءات شعبه القبلية والمناطقية.
اليوم تدرك القبيلة وكثير من رموزها في اليمن خطورة الوضع وهي ترفض في مجملها الانزلاق في تلك المعمعة المناطقية الخطرة. ونحن نرى اليوم ان ممارسة هذه اللعبة المقيتة تقود الى نتائج عكسية على من يحاول استخدامها, وهاهو النظام يخسر في هذه اللعبة كثيرا من قبائل شمال الشمال بعد ان كان قد خسر قبل ذلك الجنوب باكمله والوسط بمجمله بافعاله الغبية, وهاهو اليوم يخسر من رجالات الدولة ومن منتسبي حزبه الكرتوني شئيا فشيا, ولا يمر يوم من ايامنا العظيمة هذه الا ونجد فيه من يلفظ هذا الحكم ويتبرأ منه, ومن كل المكونات المختلفة للشعب اليمني ولن يبقى معه سوى تلك الاجهزة المتهالكة التي يقف على راسها ابناءه واقاربه والتي لن تجدي معه شئيا امام هدير الشارع وارادة الشعب.
لم يبقى اليوم من اوراق يلعبها الرئيس ونظامه المتهالك, فسقطت ورقة المؤتمر وسقطت ورقة الشارع الموازي في اليمن وسقطت ورقة القبيلة والمناطقية وستسقط ورقة الجيش على ضوء التجربة الليبية الماثلة امامنا وقبل ذلك سقطت الورقة الاقليمية والدولية التي كان يستند اليها, ولم يبقى لهذا الحكم سوى الرحيل الان وليس الاسبوع او الشهر القادم ولا الذي يليه ان اراد الاحتفاظ ببعض من ماء وجهه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق